في عالم القيادة، لا شك أن القدرة على إدارة الأزمات بسرعة وكفاءة تعد مهارة أساسية، بل وحاسمة في كثير من الأحيان. ومع ذلك، هناك خيط رفيع يفصل بين القائد الذي يجيد التعامل مع الأزمات عند وقوعها، والقائد الذي يصنع الأزمات ليشعر بالإنجاز والسيطرة الإدارية.
من خلال عملي في عدد من الكيانات المؤسسية وتطويري لكيانات أخرى، لمستُ لدى بعض القادة مهارة عالية في إدارة الأزمات، لكن اللافت أن هذه المهارة قد تتحول إلى نمط قيادة خفي يجعل القائد يشعر بعدم الراحة في بيئة مستقرة. وكأن النجاح الإداري لا يتحقق إلا عندما تكون الأمور في حالة طوارئ مستمرة! هذا النمط من القيادة يخلق بيئة مليئة بالتوتر، حيث يعتاد القائد على افتعال الأزمات - بوعي أو دون وعي - لإبقاء فريق العمل تحت الضغط، وإشباع غريزة السيطرة والمتابعة المستمرة. لكن، هل يمكن لهذا النوع من الإدارة أن يكون مستدامًا؟ وهل هناك طريقة لتحقيق التوازن بين الاستجابة للأزمات وبين معالجة أسبابها؛ لتقليل تكرارها، وتطوير الأداء المؤسسي المستدام؟
القدرة على إدارة الأزمات تُعدّ ميزة تنافسية لأي قائد، خاصة في بيئات العمل المتسارعة التي قد تواجه تحديات غير متوقعة. لكن الخطر يكمن عندما تتحول إدارة الأزمات إلى أسلوب إداري، بحيث يصبح القائد غير قادر على العمل إلا تحت الضغط. عندها، يفقد القدرة على التفكير بعيد المدى، ويصبح تركيزه منصبًّا على ردود الفعل الفورية بدلًا من التخطيط المسبق.
لدى بعض القادة ما يمكن وصفه بـ إدمان الأزمات – فهم لا يشعرون بأنهم في موقع قيادي فعال إلا عندما تكون الأمورفي حالة طوارئ مستمرة. أما في بيئة العمل المستقرة، فهم يشعرون بأن دورهم أصبح هامشيًا، مما يدفعهم إلى خلق تحديات جديدة، حتى لو لم تكن ضرورية.
إن افتعال الأزمات وصناعتها المتكررة تؤدي لأضرار بالعمل المؤسسي، ومن ذلك:
لتحقيق توازن صحي بين إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي، يمكن استخدام مصفوفة أيزنهاور لتصنيف المهام إلى أربع فئات:
1️⃣ هام وعاجل: مهام تحتاج إلى تدخل فوري، مثل الأزمات الحقيقية والمشكلات الطارئة.
2️⃣ هام وغير عاجل: المهام التي تتطلب تخطيطًا استراتيجيًا، مثل تطوير العمليات، وتحسين بيئة العمل.
3️⃣ غير هام وعاجل: مهام يمكن تفويضها للآخرين، مثل بعض الاجتماعات والاستفسارات الروتينية.
4️⃣ غير هام وغير عاجل: الأعمال التي لا تضيف قيمة ويمكن تجاهلها.
القادة الذين يدمنون الأزمات يعملون غالبًا في الربع الأول، حيث تنشغل أوقاتهم بالمشكلات العاجلة. أما القادة الاستراتيجيون، فيخصصون جزءًا كبيرًا من وقتهم للربع الثاني، حيث يركزون على التخطيط، وبناء أنظمة العمل، وتقليل الحاجة إلى التدخلات الطارئة.
1. إعادة تعريف الدور القيادي:
بدلًا من قياس الإنجاز بعدد الأزمات التي تم حلها، يجب التركيز على تحقيق الاستقرار المؤسسي، حيث يتم بناء نظام يقلل من حدوث الأزمات بدلًا من معالجتها بعد وقوعها.
2. التخطيط الاستراتيجي كأولوية:
يجب أن يخصص القائد وقتًا أسبوعيًا للتفكير في المستقبل، بدلًا من الاستجابة الدائمة للأحداث الطارئة.
3. تفويض المهام وتقوية الفريق:
كلما تمكن القائد من بناء فريق قوي قادر على التعامل مع المشكلات دون الحاجة إلى تدخله المستمر، كلما قلّت حاجته إلى خلق أزمات جديدة لإثبات أهميته.
4. التقييم الذاتي للأسلوب القيادي:
على القائد أن يسأل نفسه دوريًا: "هل أعمل بكفاءة لأن هناك أزمة، أم أنني أبحث عن الأزمات لأشعر بأنني أعمل بكفاءة؟"
الفرق بين القائد الاستراتيجي وقائد الأزمات لا يكمن في القدرة على التعامل مع التحديات فحسب، بل في القدرة على بناء مؤسسة لا تعتمد على الأزمات بل أحوالها مستقرة وإنجازاتها مستمرة في جو إيجابي يسوده الانتظام والهدوء.
(القائد الفعّال لا يطفئ الحرائق فحسب، بل يعمل على بناء نظام يمنع اندلاع الحرائق قبل حدوثها)
📞 0503140401